السبت، 7 أكتوبر 2017

تابع الجزء السادس .... ثورة 1919.... أول وفد سوداني يزور إنجلترا






سعد زغلول باشا وثورة 1919م وأثرها في السودان:


سعد زغلول وطني مصري، ناهض الإستعمار، تتلمذ علي يد العلامة "محمد عبده ـــ جمال الدين الأفغاني" الذي قال عنه: (أن الحرية ناشئة في مصر أن يجيد في الكتابة عنها هذا الناشئ). تشكل الوفد المصري الذي ضم سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وأحمد لطفي السيد وآخرين وأطلقوا على أنفسهم الوفد المصري. وقد جمعوا توقيعات من أصحاب الشأن وذلك بقصد إثبات صفتهم التمثيلية وجاء في الصيغة: "نحن الموقعين على هذا قد أناب عنا حضرات: سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في إستقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى". إعتقل سعد زغلول ونُفي إلى جزيرة "مالطة" بالبحر المتوسط هو ومجموعة من رفاقه في 8 مارس 1919م..... إنفجرت ثورة 1919 في مصر  وأجبرت الثورة الشعبية الإحتلال الإنجليزي على الإفراج عن سعد وصحبه، وعادوا من المنفي إلي مصر، وسمحت إنجلترا للوفد المصري برئاسة سعد زغلول بالسفر إلي مؤتمر الصلح في باريس ليعرض عليه قضية إستقلال مصر. وفي 7 أبريل 1919، ذهب على رأس وفد إلى مؤتمر الصلح في فرسايVersailles Peace Conference، إلا أن أمال الوفد تبددت حين شجعت الولايات المتحدة الحماية البريطانية لمصر. ثم حاولت إنجلترا القضاء على الثورة بالقوة ولكنها فشلت. ثم جرت إنتخابات تشريعية فاز فيها مرشحو سعد بغالبية مقاعد البرلمان، وشكل سعد الوزارة التي تعد أول وزارة شعبية في مصر. تقلد رئاسة الوزارة عام ١٩٢٤، وتفاوض مع ماكدونالد رئيس الوزراء البريطاني، وتوقفت المفاوضات بينهما، ثم إستقال سعد زغلول بعد حادث مقتل السردار البريطاني السير لي ستاك عام ١٩٢٤. ونتيجة لنار الثورة التي إندلعت في مصر قوية ملتهبة، ظهرت من بين شعارات الثورة المصرية عبارة (السودان جزء من مصر لا يتجزأ). وبرزت في السودان وقتها، ثلاثة تيارات أخذت الطبقة المتعلمة تتجمع حولها، تيار المثقفين على القومية السودانية في هذا المعترك الجديد تحت إصرار أن تكون للسودان وحدة ذاتية قائمة بنفسها، تيار آخر يسير مع هذا التيار الحفيظ على القومية السودانية إلا أنه يعمل لتحقيق أهداف السياسة الإنجليزية في السودان، والتيار الثالث يجمع أولئك المتجاوبين مع ثورة مصر وشعارات قادتها وقد بدأ لهم أن هذه الثورة قد تعين أوضاع السودان إلى خير مما هي عليه، فساروا مع التيار الثوري المصري ولكن في خفاء وحذر عن طريق الجمعيات السرية حتى إنفجرت ثورتهم المكبوتة في حوادث عام 1924م، سوف يأتي ذكرها تفصيلاً. ولكن قبل أن تتم فرحة هؤلاء الشباب المناهض للإستعمار ظهرت لهم زيارة الوفد السوداني لإنجلترا لتهنئة "الملك جورج الخامس" بالإنتصار في الحرب العالمية الأولي، فما هي حقيقة هذا الوفد وأثره علي قضيتنا موضوع العمل؟.

أول  وفد سوداني يزور إنجلترا:



 في يوم 21 يونيو 1919 م، قرأ الناس في جريدة الحضارة العدد 17 إن وفداً من السودان سيتوجه إلى إنجلترا لتهنئة جلالة الملك بالنصر، حيث إنتصر معسكر إنجلترا وحلفائها على معسكر ألمانيا في الحرب العالمية الأولى (1914ـــ 1919)، وكان الناس وقتها يتابعون أنباء الحرب عن طريق الصحافة المصرية، وهذا ما كُتب وقتها في عدد الحضارة :" .....علمنا أن وفداً من سراه هذه البلد سيتوجه لإنجلترا لينوب عن أهالي هذه البلاد في تهنئة جلالة الملك بنهاية الحرب نهاية سعيدة مقرونة بالإنتصار، وسيبرح الوفد الخرطوم في أوائل يوليو القادم فيصل إلى إنجلترا قبل نهاية هذا الشهر. والذي فهمناه إن حكومة جلالة الملك أعربت عن سرورها العظيم لهذه الزيارة الميمونة، وهى مستعدة لأن ترحب بالوفد ترحيباً ودياً ... أجل، نزف إلى قومنا اليوم هذه البشرى التي لم تأتهم بمثلها الأيام من حيث دلالتها على معنى كبير. فلابدع إذا إبتهجت البلاد سروراً بهذا الخبر لأنه جاء دليلاً على أنما أظهرته في هذه الحرب لم يذهب سدى بل صادف أمة حرة وحكومة كريمة فأنبت فيها عواطف علينا، كما أن هذا المظهر مظهر الإخلاص الذي تظهر به على الدوام لم يكن إلا إعترافاً بالجميل، فزيارة وفدناً لتلك البلاد التي تربطنا بها روابط، سياسية، واقتصادية وودية للتعبير لها عن عواطف الآهالي وللإشراك معها في الأفراح العمومية التي ستقيمها إحتفاء بإنتهاء الحرب وتوطيد أركان السلام مظهر لهذه العواطف المتبادلة بيننا وبين البريطانيين، وإنا لنرجو أن يعود أعضاؤه إلى بلادهم وهم يحملون إليها التمدين الصحيح الذي تقوم عليه تلك البلاد العظيمة والله المسئول لكل مأمول" ..... في يوم الأربعاء 2 يوليو 1919م، سافر أول وفد سوداني إلى إنجلترا، حيث تكون الوفد من السادة: (السيد علىّ الميرغني، والشريف يوسف الهندي، والسيد عبدالرحمن المهدي، ومن الزعماء الدينيين بالسودان، الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم رئيس مجلس العلماء والشيخ الطيب أحمد هاشم مفتى السودان، والسيد إسماعيل الأزهري قاضى شرعي مديرية دارفور، والشيخ علىّ التوم ناظر الكبابيش، والشيخ إبراهيم موسى ناظر الهدندوة، والشيخ إبراهيم محمد فرح ناظر الجعليين، والشيخ عوض الكريم عبد الله وكيل ناظر الشكرية).ولكن الأقدار قد هيأت لشابين من نابهة الخريجين أن يجدا فرصة السفر مع الوفد، حيث سُمح لأعضاء الوفد إصطحاب مرافق معهم، فإختار السيد إسماعيل الأزهري قاضى شرعي دارفور حفيده الأستاذ إسماعيل الأزهري المدرس بالمدرسة الابتدائية (أول رئيس للسودان بعد الإستقلال) ليرافقه كمترجم، وإختار الشيخان الجليلان، أبو القاسم أحمد هاشم والطيب أحمد هاشم ، الأستاذ محمد حاج الأمين (ابن شقيقتهم) المدرس بمدرسة أم درمان الابتدائية مرافقاً لهما أيضاً لنفس الغرض، وبهذا كان هذان الشابان أول من يزوران أوروبا من الخريجين. حظي الوفد بمقابلة الملك جورج الخامس في يوم 28 يوليو عام 1919م، بقصر بكنجهام، حيث ألقى السيد علىّ الميرغني أمام الملك والملكة كلمة تهنئة بالنصر بإسم السودان، وقدم السيد عبد الرحمن المهدي سيفاً من الذهب، تقبله الملك شاكراً ثم رده ليكون أثراً من جلالته لأسرة السيد عبد الرحمن. منح الملك جورج الخامس ملك إنجلترا، نيشان فيكتوريا من درجة فارس للسيد علىّ الميرغني (مع لقب سير)، وذات النيشان من درجة رفيق لكل من السيد عبد الرحمن المهدي والسيد الشريف يوسف الهندي، والشيخ أبو القاسم أحمد هاشم، ومن درجة عضو لكل من الشيخ الطيب أحمد هاشم والشيخ إبراهيم موسى والشيخ علىّ التوم والشيخ إبراهيم محمد فرح والشيخ عوض الكريم أبوسن.




جزء من الفصل السادس..... التعليم والثقافات ..(كلية غردون)...وأول دار للخرجين






جزء من الفصل السادس



التعليم والثقافات التعليم (كلية غردون)



 اُفتتحت كلية غردون عام 1902م، وبدأت بمدرسي اللغة العربية والشريعة الإسلامية لتخرج مدرسين وقضاة شرعيين، وتدرجاً أنشئ قسم لمدرسي اللغة الانجليزية والعلوم الإجتماعية والرياضيات، كما أنشئ قسم للهندسة، وقسم للمكتبة والمحاسبين  .... لم يقصد من إنشاء كلية غردون أن تكون مدرسة أكاديمية، بل تعمل كمصدر يمد الحكومة بالموظفين، وكان المدرس الإنجليزي يبدأ في كلية غوردون، ويتعرف على الطلبة، وأغلبهم من المدن، وتعمد الانجليز قبول الطلبة من الشمال والشرق والغرب ما عدا أبناء الجنوب لم يكن لهم تواجد بين الطلبة (وهذا أدي إلي كثير من عقبات عند مناقشة إستقلال السودان)..... أما الطلبة فهم من أبناء الأعيان ورؤساء القبائل ومن المتحررين من الرق، ومن المحرمات علي الطلاب وقتها (إذلالاً للنفوس ودحض الشعور بالوطنية)، ألا يذكر إطلاقاً عندما يُسأل الطالب عن جنسيته فيرد، سوداني، ويدون في سجلات الكلية بانه "سوداني" ولكن يذكر قبيلته، مثل (جعلي ــ محسي ـــ شايقي ـــ دنقلاوي ...) وهكذا، ولكن من الخير أن جعلوا الطلاب من مختلف مدن السودان في بوتقة واحدة "كلية غوردون"، فإنصهروا فيما بعد مولدين "وحدة وطنية" سوف نذكر تفاصيلها حينها. ولم يكن الأساس لقبول الطالب بالكلية حينذاك كالتفوق والذكاء، بل إن التخطيط، هو الإحتواء وتربية شريحة خاصة في المجتمع، لم يكن المستر "وينجت" الحاكم العام للسودان وقتها، ميالاً لنشر الثقافة الغربية الحديثة، لأن الإستعمار البريطاني إكتوى من المثقفين الهنود والمثقفين المصريين، لذلك كانت تدرس روايات شكسبير بلا منظور إجتماعي ويفرض تمثيلها، وروايات (كونان دويل وشارلس دكينز وترولوب وثاكرى وسهراب ورستم لماثيو أرنولد وقصص جورج اليوت وبنات برونتى)، أما الكتب العربية فكانت (العقد الفريد والحيوان للجاحظ، وأدب الدنيا والدين للماوردى والأدب الكبير والأدب الصغير لإبن المقفع)، ومنعت كل الكتب عن الثورات!!!. يخرج الطالب من كلية غوردون، وليس له مزيد من الثقافة، فقد حرمت عليهم قراءة المجلات العربية ماعدا مجلة الهلال ومجلة المقتطف، يُندهشوا بعد تخرجهم بعالماً جديداً من الموظفين والضباط المصريين، فيعشقون الثقافة المصرية، والجرائد مثل (الأهرام ــ السياسة ــ اللواء ـــ المقطم ) ينتظرونها لكي يتعرفوا علي مايدور حولهم، ويطلعون على كتابات وخطب مصطفى كامل وكتابات جمال الدين الأفغاني وأحمد لطفي السيد، ويتعرفون علي تفاصيل ثورة عرابي، وتعمر الأندية بالمحاضرات والليالي الشعرية. وكان نتيجة التعليم والتوظيف، ظهور البيروقراطيين من أبناء السودان فى شكل طبقة "الأفندية" تلك الطبقة من الاداريين السودانيين التى كان لها أثرها الاجتماعى والسياسى فضلا عن عملها الادارى. فالأفندية لم يكونوا "طبقة" بعينها أو قطاعا اجتماعيا لأنهم لم يكن لهم نصيب فى المجتمع التقليدى وانما ضمت نفرا من جميع الطبقات، كما أنهم لم يكونوا بمنأى عن الشعب السودانى، ولكنه فى النهاية كان اتجاها ثقافيا. فالأفندية هم السودانيون الذين انتظموا فى التعليم الحديث وتزينوا بالزى الأفرنجى، وخرجوا على النظم العتيقة.









   كانت أول صحيفة رسمية تصدر في السودان هي "غازيته حكومة السودان"، وأول عدد صدر منها تزامن واتفاقية الحكم الثنائي (الانجليزي ـــ المصري) في العام 1899م . ثم تلاها في العام 1903 م، حيث منحت حكومة السودان أصحاب جريدة "المقطم" التي كانت تصدر في مصر (أصحاب الامتياز هم "صروف وممر ومكاريوس" )، إصدار صحيفة في السودان ــــ أسماها ـــ "جريدة السودان"، حيث كانت تصدر مرتين في الأسبوع بذلك تكون أول جريدة عربية تصدر في السودان. وبعض من الصحف غير الجادة مثل "كشكول المساح" التي لم تعش طويلاً. ونأتي إلي الصحيفة الأدبية الاجتماعية الأسبوعية التي صدرت في العام 1914م، لصاحبها التاجر اليوناني وهي (الرائد)، لعبت تلك الصحيفة دوراً هاماً في تثقيف الأجيال جيل تلوا الأخر، فكان الجيل الأول الذي تلقي ثقافته في الأزهر أو في حلقات الدراسة في منازل العلماء والفقهاء الذين إتخذوا من دورهم مدارس لنشر الثقافات الدينية، واشتهر جماعة من هؤلاء بالتعلق بالأدب وإنشاء الشعر، أمثال علي سبيل المثال لا الحصر، الأساتذة "الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم شيخ علماء السودان، والشيخ الطيب أحمد هاشم مفتي السودان، الشيخ إبراهيم أحمد هاشم، والشيخ بابكر بدري بمصلحة المعارف، ومفتش المحاكم الشرعية محمد عمر البناء، والشيخ عمر الأزهري من العلماء وغيرهم".  والجيل الثاني ...الذي سوف نقف عليه كثيراً،  لنتعرف علي بعض جوانب الثقافات التي أثرت في العقول التي أثمرت جيل ذو فكر ووعي وثقافة وتطلع كبيرين ... هؤلاء هم الناشئون اللذين تخرجوا من "كلية غوردون". ولم يكن الخريجون الذين يكملون دراستهم كل عام يتعدون أصابع اليد الواحدة في كل فرع..... أما صحيفة "الرائد" فهيه سبّاقة بتنظيم المسابقات الشعرية كنوع من الثقافات في ذاك العهد، ومن أشهر الشعراء (الشيخ محمد عمر البناء ــ الأساتذة أحمد محمد صالح وحسن عثمان بدري وتوفيق صالح جبريل)، ونجد شعراء من المصريين العاملين في السودان مثل، الرائد الأديب الكبير "محمد بك فاضل"، عمل في مصلحة السكة الحديد بعطبرة، أمتاز بمكانته الأدبية المرموقة في مصر والسودان. ثم تولى السيد "حسين شريف"، أول صحافي سوداني، تحرير مجلة الرائد الأدبية عام 1917م، إلا أن هذا الوضع لم يرض طموح حسين شريف الذي كان صحافياً بطبعة وروحه، وكان يريد صحافة سودانية خالصة. فاستطاع بجهده الخاص أن ينشىء جريدة حضارة السودان سنة 1919م فكانت أول صحيفة سودانية لحماً ودماً وروحاً وكانت أدبية إجتماعية، وجاء إصدار هذه الجريدة نتيجة لتلك المقالات التي صاح فيها حسين شريف على صفحات الرائد وهى تحتضر مهيباً بالشعب السوداني قائلاً ( شعب بلا جريدة كقلب بلا لسان). وكان أصحاب إمتياز الحضارة أول أمرها السيد عبدالرحمن المهدي والسيد محمد الخليفة شريف والشيخ عثمان صالح التاجر بأمدرمان والشيخ عبد الرحمن جميل بكوستى والشيخ حسن أبو بالأبيض. وأصبح لخرجي كلية "غوردون" طموحات أكبر في أبراز ثقافات كل منطقة والتعرف علي الجديد، ومن هنا بدأت فكرة إنشاء دار لإقامة المناسبات والإحتفالات المختلفة، فلنتعرف علي دار الخريجين الذي اُنشأت في العام 1918. فكان لتعين الحاكم العام للسودان دور في تشجيع قيام نادي للسودانيين فهو من المؤيدين للجانب القائل "السودان للسودانيين"!!!.

أول دار للخريجين (1918) وماهي النشاطات المقامة به ؟:


 كان صاحب فكرة نادي الخريجين السيد حسين شريف، وقد نادى بقيامه في جريدة السودان في عام 1911، ولكن رُفض طلبهم لأن عددهم لم يكن كافياً، لذلك إندمج الأفندية في الأندية المصرية في الخرطوم وعطبرا وبورسودان وواد مدني والأبيض، ورحب بهم المصريون، وكانوا يمدونهم بخطب (مصطفى كامل) ومطبوعات الحزب الوطني وأصر الخريجون السودانيون أن يكون لهم ناد كما للخريجين المصريين لهم نادي المدارس العليا، وساعدهم في ذلك الضباط السودانيين الذين سكنوا في الموردة، وتعلموا، وعملوا في الجيش المصري، عقد الخريجون السودانيون إجتماعاً في مارس عام 1913م، في مدرسة أمدرمان الإبتدائية، ودعوا إليه كل الخريجين في العاصمة المثلثة، وحضره كل نظار المدارس الإبتدائية في السودان، ودارت المداولات فوافق الجميع ما عدا ثلاثين خريجاً، ولم يتجاوز الخريجون في تلك الفترة أكثر من خمسين وثلاثمائة خريج في السودان، وأقر الإجتماع أن يسمح بالعضوية لخريجي المدارس الإبتدائية، وحجبها عن خريجي المدارس الأولية. شجع لي استاك (حاكم السودان العام)، الدعوة " السودان للسودانيين " وسمح بإفتتاح نادي الخريجين فى السودان. وتم التصديق على قيام النادي عام 1918، وتبرع لهم (الشريف يوسف الهندي) ببيت، وتكونت لجنة تمهيدية من خمسة من الخريجين، وحاولت الحكومة أن تلزم المستر سمبسون عميد كلية غوردون أن يقدم الضمانات كي لا يعمل الخريجون بالسياسة، ولكنه رفض الإلتزام، وعُين رئيساً شرفياً للنادي. وكان أول رئيس له (السيد حسين شريف).  كانت اللجنة من كبار الخريجين الملتزمين بسياسة الحكومة، ومنذ عام 1919م، ظهرت الأفكار السياسية في النادي، كتب (السيد حسين شريف) فى حضارة السودان يؤكد على ذاتيه السودان، ويرى أن مصر لم تصل إلى المستوى الذي يمكنها من حكم السودان، ولم يهاجم مصر، بل أكد على العلاقات الأخوية والصلات بين مصر والسودان .... خرجي كلية غوردون لم يجدوا متنفساً إلا بناديهم الذي تقام فيه النشاطات الثقافية التي يعبرون فيها عن أنفسهم ويجدون سلواهم في بعض ما ينظمون من أشعار وتمثيليات ترفهية. فكتب السيد حسين شريف في الحضارة، يدعوا إلي إقامة حفل تأبين للراحلين الشيخ محمد عمر البناء، مفتش المحاكم الشرعية، والأستاذ عبدالحميد بك إبراهيم أحد الأساتذة المصريين الأجلاء الذين ساهموا في تثقيف ذاك الجيل من الخرجين، الذي حدثت وفاتهما في 3 فبراير 1919م، إذ انه أول حفل تأبين يقام في البلاد. ومن الإحتفالات التي أقيمت، التهنئة بالأعياد حيث إستعاضوا بهذه عن الزيارات التقليدية في المنازل فيكتظ النادي بالشباب والشيوخ بملابسهم الجديدة والأنيقة، فيتبادلوا تهاني العيد السعيد، وحيث الحلوى والمرطبات تدور عليهم، والشباب في بهجة وفرح بلقاءاتهم وتجمعهم المميز، ثم تتوالى الإحتفالات، ثم يأتي الإحتفال بميلاد النبي صلّ الله عليه وسلم، ومن أشعارهم:


فحدث عن نبي النيلين قوماً بأدنى النيل أو أعلي الفرات
بأنا ننتمي حســـباً و مجــــداً إلي ما بالجزيرة مــــن رفات
يعز عليهم نحيـــا ولــــسنــا مثــالاً للشجــــاعة والثبـــات


 وتبرز الإحتفالات مختلف الثقافات لهؤلاء الشبيبة التي تطمح في الكثير من الحريات والتطلع إلي تعليم أفضل وثقافة أوسع.