السبت، 9 سبتمبر 2017

أول مظاهرة تؤدي لإشعال الثورة . جزء من الفصل التاسع











وعلي لسان شاهد عيان (أستاذ الهادي أبو بكر إسحاق) عاصر ثورة 1924، فقال :" كنت قي الثالثة عشر من عمري مع رفاقي ونحن قادمون صوب منازلنا بعد إنقضاء اليوم الدراسي، سمعنا أصوات ومظاهرات وكانت هذه أول مرة نعرف معني المظاهرات، بعدها تردد إسم عليّ عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين، ثم تطورت الأحداث وسمعنا فيما بعد ضرب النار وعلمنا بعدها أن الجيش المصري سوف يتم ترحيله من السودان وبعض من أفراد الجيش يحاولون العبور للحاق بالجيش المصري، هذا كل ما عرفته في تلك الفترة، وكنا منبهرين بالهتافات والأناشيد التي صدرت من أعضاء اللواء الأبيض ومن ثم أصبح الناس يرددونها".... أما تفاصيل هذه الأحداث فهي كالأتي:(في أم درمان، الموافق 19 يونيوعام 1924، صحا الناس على نبأ أليم يحمل نعى "عبد الخالق حسن" مأمور أم درمان، ذاك الرجل المصري الشهم الذي أحبه سكان المدينة حباً عظيماً، فخف إلى تشييع جثمانه عدد قدّره البوليس كما جاء في شهادة المستر "ولس"، ملاحظ بوليس أم درمان، أمام محكمة جماعة اللواء الأبيض بعشرين ألف شخص، وهو عدد إذا قدر بسكان المدينة آنذاك أيقنت أنه يكاد لم يبق شخص قادر لم يخرج لوداع هذا الرجل النبيل. وما كاد جثمانه يوارى تحت الثرى حتى إنبىرى صديقه الشاب "توفيق وهبي" القاضي بالخرطوم والذي عرف في كثير من المناسبات خطيباً مصقعاً وممثلاً بارعاً ووطنياً ثائراً، إنبرى يؤبنه في صوت مؤثر وعبارات صادقة بليغة فأشجى وأبكى. وكان هذا آخر تواجد له إذ أُمر بمغادرة السودان مع عديد من الموظفين المصريين. وبدا المشيعون ينصرفون وإذا بصوت الشيخ "عمر دفع الله" التاجر المعروف بأم درمان ـــ أحد أعضاء العمل الوطني ــــ يرتفع في قوة وعنف وهو يهتف ... ( يسقط الإنجليز ... تحييا مصر). وكان هذا الصوت بمثابة الشرارة التي تُلقى في الهشيم، فسرعان ما تجاوب معه عدد ضخم من المشيعين .... وكانت أول مظاهرة تشهدها مدينة أم درمان ــــ وانفجر المرجل بعد ـــ وتصدى رجال اللواء الأبيض للمعركة ونظموا جموعهم بحيث تخرج مواكبهم هاتفة من مختلف الأنحاء، وقد جعلوا قيادة هذه المواكب بالإقتراع بينهم فمن خصه الإقتراع بالقيادة هيأ نفسه بالغد لقيادة المظاهرة والصمود أمام البوليس فلا يختفي ولا يهرب مهما حدث حتى يُلقى عليه القبض. ونظمت قيادة هذه الجمعية صفوف القيادة، صفاً بعد صف، في كل صف خمسة من القادة، فإذا قُبض عليهم حل بعدهم الصف الثاني وهو من خمسة أيضاً، وهكذا. وشهدت العاصمة المثلثة سلسلة من المظاهرات الوطنية بعضها ينظمه اللواء الأبيض، وبعضها تخلقه ظروف جماهيرية في مناسبة ما. وأخذت الإعتقالات تتوالى وامتلأت السجون والحركة تزداد قوة وعنفاً. ثم اُعتقال الشيخ عمر دفع الله بعد أن هتف بحياة ملك مصر والسودان، ثم قُدم للمحاكمة. وفى يوم 20 يونيو عام 1924م، بادر الشيخ "حسن الأمين" بحملة، أسهم فيها خطباء المساجد ينتقدون الإدارة البريطانية. وفي يوم 22 يونيو 1924 م, منع الحاكم العام بالإنابة المظاهرات.


******** 




 وتتوالي الأحداث وتتصاعد وتيرة المظاهرات وتعم جميع مدن السودان، ثم يُحاكم الشيخ "عمر دفع الله"، وخارج المحكمة يخطب "عليّ عبد اللطيف" خطبة حماسية تفاعل معها الجمع الذي تواجد هناك ثم اُلقي القبض عليه، ولم تهدأ بعد ثائرة وحماسة أعضاء اللواء الأبيض فأخذ يتحينون الفرص والتجمعات، ويهتفون بحياة الملك "فؤاد الأول" ملك مصر والسودان، وحياة الزعيم سعد زغلول، وحياة وادي النيل. وهنا نأتي الي دور الشعراء الوطنيين الذين قدموا الكثير من أشعارهم الحماسية التي أشعلت  نار الحماسة في صدور الشبيبة وأصبح يهتف بها في كل مكان ويرددونها بأعلي الأصوات لا يخافون ولا يُروعون بل سائرون في الطرقات حتي يتم القبض عليهم، ويأتي أخرون لقيادة المظاهرات دون خوف السيوف والعصي التي تنهال عليهم من قبل رجال الإنجليز والتعايشة الذين جلبهم البوليس لقمع المتظاهرين السلمين. ومن أشهر ما ردد المتظاهرون "لخليل فرح" شاعر الثورة"


يا نيلنا يا نيل الحياة
يا مهبط النور والحياة

يا معدن الذوق والحياة
    

حياك حياك الحياة
حياك حياك الحياة
حياك حياك الحياة